Tuesday, 22 September 2009

لبدة: لؤلؤة الذاكرة التاريخية الليبية

15/07/2009 01:08:32 PM (GMT)

تحتوي التاريخ، وتتنفس البحر، وتصحو على ذاكرة مضت

لبدة: لؤلؤة الذاكرة التاريخية الليبية

ليبيا 24- فيحاء العاقب: عن بقعة يختلط فيها الماضي بالحاضر، والخيال بالواقع، يمكن وصفها بأنها لؤلؤة في قلب محار، هذه المدينة التي نشتم فيها عبق الحضارات التى يتنفسها البحر عبر نسيمه في وجه السماء، أما عن رمال شاطئها فنجدها متانثرة لترسم ملامح من قطنها عبر السنين مصورة أجمل اللوحات الفنية.

بين هذه الاسطر تكون لبدة بطبيعتها الاخاذة، وسكانها المختلفين، وموقعا الذي جعلها تمتاز عن سواها من المدن.

تقع مدينة لبدة الاثرية شرقي مدينة الخمس اذ تبعد عنها مسافة 3 كم ، اما عن العاصمة طرابلس فنحو 123 كم، وكانت بداية لبدة عندما إستخدمها البحارة والتجار الكنعانيون (الفينقيون) كمرفأ يلجأون اليه أثناء رحلاتهم. وقد أخذ هذا المرفأ بالنمو الى ان أصبح من أهم ما أوجد على حوض المتوسط.

سميت لبدة الكبرى بغية تمييزها عن مدينة تحمل نفس الإسم واقعة في تونس، وقد ورد ذكر لبدة في كثير من المصادر التاريخية القديمة بأسماء شتى منها " لبتس ماجلي" باليونانية، و"ليبتس ماجنا" بالاتينية إذ يعتقد أن الأخير مشتق من إسمها البونيقي" لبقي". كما أطلق عليها اليونانيون أيضا ليبتس "تيابوليس" أي المدينة الجديدة.

من مميزات موقع لبدة قربها من مناطق زراعية مهمة مثل مرتفعات الحسان الثلاثة" ترهونة ونهر السنبس ووادى كعام"، ولأبراز هذا الثراء الذي تجود به المنطقة يذكر أن الأمبراطور الروماني يوليوس قيصر أنزل بها عندما ساندت خصمه بومبى الذي هزمة عقوبة بلغت 3 ملايين رطل من زيت الزيتون سنويا، الأمر الذي يكشف عن مكانة لبدة من الناحية الزراعية والانتاجية حينها إذ أنها كانت محاطة بغابات فسيحة من شجر الزيتون وما التلال الواقعة في منطقة ترهونة إلا دليل على ذلك.

ولكن رب ضارة نافعة فبالرغم من الجزية المجحفة بحق لبدة الا أنها استطاعت أن تبصر النور أكثر من ذي قبل، حيث إزدهرت وبلغت شأنا كبيراً خاصة عندما إعتلى عرش الإمبروطورية الرومانية "سبتموس سفيروز" الذي ترجع أصوله ونشأته الى هذه المدينة، والذي إهتم بها كثيراً حيث نشر العلم والأمن لدرجة جعلت سكان لبدة يطلقون على أنفسهم إسم" السبتميين" نسبةً له، وقد بلغت ذروة إزدهارها من ناحيتي العمران والحضارة في عهد كل من سبتموز سفيريوس "211-139م" وإلكساندر سفيريوس "225-222م" ففي هذه الفترة تم تشييد الساحة السويرية والإيوان السوري "البزيلكة" والشارع المعمد ونبع الحوريات وقوس النصر لسبتموز سفروس.

الجدير بالذكر أن الميدان القديم وأطلال المعابد المحيطة به والمجاور تمام للميناء كان مركز المدينة قبل أن تشهد عملية الإتساع، حيث تمت عملية التطوير والتوسيع وفقا للتسلسل التاريخي الأتي: أولا كان مبنى السوق البونيقية الذي أنشأ في السنة 7 ق. م، تلاه مباشرة المسرح نصف الدائرى الذي شيد في السنة الاولى ق.م، أما مبنى الكالكيديوم فقد كان بين عامي " 11-م-12م" ثم توالى إنشاء المباني خلال القرنين الأول والثاني ميلادي، وقد كان من بين هذه الإنشاءات حمامات الإمبراطور هدريان التى أنشئت بين عامي (126- 128 م) وتم تجديدها في عهد الامبرطور " سبتموز سفروز" ونظرا لكثرة الحمامات ولأن الماء العنصر الحياتى الاساسي الذي لا يمكن بدونه لهذه المنشات أن تقوم، فقد إستخدموا مياه الأمطار التي كانت تجمع في أبار أرضية، ولكن إعتمادهم الأكبر كان على الماء الأتي من وادي لبدة – من سد بني على هذا الوادي- حيث يتم تجميع المياه في صهاريج ضخمة لا تزال بقاياها ماثلة حتى الوقت الراهن على جنوب الطريق الرئيسي بالقرب من الجسر، بالإضافة إلى وجود أثار للقناة المرسلة من الصهاريج الواقعة جنوبي الحمامات، وأستخدمت في عملية نقل المياه انابيب من الرصاص لا تزال اجزاء منها موجودة.

وما يستوجب الاشارة اليه ان تاريخ نشأت مدينة لبدة كما يذكر بعض علماء الاثار يرجع الى بعد تأسيس القرطاجيون عاصمتهم قرطاجة الكائنة الان في الضاحية الشمالية لمدينة تونس العاصمة، وذلك سنة 814ق.م، وفي رواية اخرى يتم ارجاع تأسيس لبدة الى القرن السادس ق. م، وما يؤكد ذلك ما تم العثور عليه من خلال الحفريات التى قامت بها جامعة بنسلفانياسنة 1961م، حيث عثروا على قطع فخارية بالقرب من ميدان المدينة ترجع الى ذلك العهد، ولكن لم يتم العثور حت ألان على مباني المدينة التى تعود الى العهود الفينقية، حيث لم يخلف هذا العهد سوى المقابر البونيقية تحت منصة مسرح لبدة الرمانيى، وهذه المقابر تضم أواني وأوعية فخارية من القرنين الرابع والخامس ق. م.

في الفترة التي كانت فيها خاضعة للسلطة القرطاجية صمدت المدينة في وجه نوميديا الافريقية، حتى أنها إستطاعت أن تبقى واقفة حتى بعد خراب قرطاج على يد الرومان، ثم إنضوت تحت حكم الممكلة النوميدية بصفة إستقلالية، ويذكر أحد الكتاب الرومانيين في إحدى مذكراته عن لبدة بأنها حافظت على الشرائع والعادات الفينقية ولم يطل التأثير سوى لهجتهم، ويعلل ذلك باندماج أهل المدينة مع الافارقة من خلال التزاوج، وفي الوقت الذي دخلت فيه روما في حرب مع نوميديا رغبت لبدة في أن تكون حليفة لها وبالفعل فقد تجاوبت روما معها وأصبحت لبدة جزء من أفريقيا الرومانية وهنا كان السبب في في ما فرضه يوليوس قيصر من غرامة والتى اشرنا إليها سابقا .

إن ما كشفت عنه التنقيبات في أثار لبدة يقتصر فقط على المدينة بأدوارها الرومانية المتعاقبة شاملة التحصينات التى أقامها البيزنطيون في في أخر مرحلة من حياة المدينة، كذلك أقواس النصر والطرق الرئيسية وأهمها الطريق الطولي و الطريق العرضي وما سبق ذكره من معالم

No comments: