Tuesday, 22 September 2009

جامع أحمد باشا القرمانللي: من روائع الهندسة المعمارية الطرابلسية

اعمال مميزة من القيشاني واللوحات الخزفية


يبيا 24- تيسير الطشاني
عدسة عماد سعد الله

يعتبر جامع أحمد باشا القرمانللي من ابرز وأقدم المعالم في العاصمة الليبية طرابلس، ولا تزال هندسة بنائه وزخارفه القائمة لحدالان، شاهدة على روعة العمارة في ذلك الوقت، وقد شيده أحمد باشا القرمانللي بين عامي 1737/1738 ميلادي وأوقف عليه وقفاً كبيراً ساعد في صيانته وبقائه في حاله جيدة، وألحق به مقبرة أعدها لمثواه الأخير، كما بني مدرسة مكونة من دورين تتصل بالمسجد تعني بتدريس القرآن الكريم، وتوجد به أعمال فنية مميزة من القيشاني واللوحات الخزفية خصوصاً أنه مرتبط بأهم مراحل دخول هذه الصناعة إلي طرابلس.

ضريح أحمد باشا، يقع بحجرة دفن فيها وأفراد أسرته، وهي غنية بالزخارف الجصية، وكذلك فقد دفن في فناء الجامع بعض من مقربي الأسرة الحاكمة.

يقع هذا الجامع في مواجهة السراي الحمراء ناحية الجنوب الغربي، ويفصله عنها الشارع الذي يعرف قديما بشارع الخندق وسوق المشير، ويطل بواجهته الرئيسية الشمالية الشرقية على هذا السوق، حيث يبلغ طول هذه الواجهة 53 متر، كما تشرف الواجهة الشمالية الغربية على سوق (الرباع)، ويبلغ طولها حوالي 50 متر، ويحده من الجنوب الغربي سوق النساء، والجنوب الشرقي سوق العطارة، وتبلغ مساحة الجامع الإجمالية بما في ذلك المدرسة والتربة حوالي 2600 متر مربع.

التخطيط العام للجامع قريب من الشكل المربع، ويقع بيت الصلاة في وسط الجامع وتبلغ مساحته 400 متر مربع، وغطيت قاعة الصلاة ب25 قبة دائرية الشكل تتركز مباشرة على الأقواس النصف دائرية والمثلثات البارزة في أركان الأقواس أما القبة التي تقع فوق المحراب فهي أعلى ارتفاعا من القباب الأخرى ولها رقبة دائرية.

ويعد المحراب في هذه القاعة من أجمل المحاريب الموجودة في طرابلس، فقد شكل من الرخام وتجويفه غائر في جدار القبلة ويكتنفه من كل جانب عمودان من الرخام الأبيض احدهما له خطوط رأسية سوداء، ويزين باطن المحراب بلاطات من القاشاني المزخرف برسوم نباتية، وفوق هذه البلاطات شريط من الكتابة الكوفية البارزة يمثل أية قرآنية نقشت على الجص أما باقي المساحة العلوية من المحراب فقد ملئت بزخارف على الجص غاية في الدقة، ويحيط بالمحراب إطار من بلاطات القاشاني المزخرف.

أبواب خمسة ورواق

يوجد بقاعة الصلاة خمسة أبواب كلها تقود إلى الفناء الذي يحيط بقاعة الصلاة، وهناك رواق معمد يحيط بقاعة الصلاة من الخارج من ثلاث جوانب فقط، هذا الرواق مغطى أفقيا بدعامات وألواح من الخشب وقد زخرف هذا السقف برسومات نباتية جميلة بألوان متعددة، وجدرانه ملبسة ببلاطات القيشاني المزخرف، وفوقها يوجد شريط من الكتابة العربية تمثل مدحا لمؤسس الجامع، والجامع ذاته.

الجامع به ثلاث أبواب رئيسية احدها يفتح في الناحية الشمالية الشرقية على سوق المشير، وكان يتقدمه رواق معمد يمتد على طول جدار الجامع، غير انه قد هدم في فترة متأخرة واستبدلت الأعمدة التي كانت بأعمدة أكثر ارتفاعا.

يعتبر هذا الجامع الذي يرجح انه بني على أنقاض مسجد عمرو بن العاص من اكبر الجوامع الموجودة بطرابلس وأغناها زخرفة، وقد وصفت هذا الجامع مسز توللي شقيقة القنصل البريطاني في طرابلس في كتابها عشر سنوات في طرابلس، فقد كتبت (يبدو القسم الأعظم الخارجي من المسجد حيث توجد المقبرة الخاصة بدفن أفراد الأسرة الحاكمة جميلا وبديعا جدا، يقع في الطريق الرئيسي بالقرب من الباب الخارجي للمدينة مقابل قصر الباشا، ويوجد أمام هذا المسجد مدخل ثان من الخشب المشبك الأنيق المنقوش نقشا مدهشا مؤلفا من بابين مزخرفين بنفس الزخرفة مع عدد كبير من قطع القرميد الملون تلوينا جميلا يطرز أسفل ذلك الخشب الأنيق حيث يكسبه مظهرا رائعا يسر العين، وفوق أبواب كل المسجد نقشت الآيات الطويلة من القران بألوان زاهية، أما الآيات المنقوشة فوق باب هذا المسجد فهي ملونة ومطلية بالذهب طلاء لا يضاهيه في الجمال والروعة مسجد آخر في المدينة).

كما وصف هذا الجامع أبو العباس احمد بن محمد الفاسي في رحلته سنة 1796، يقول (صلينا بجامع الباشا المذكور وهو له بلاطات خمسة في غاية الإتقان وبدائرته من جهة صدره وما ولاه من الأسوار مزلجة بالزليز الرومي، وكذلك ميضأته وبلاطاته المزنرة بالسواري من الرخام الأبيض والأسود والأصفر، غاية لم ير مثله)، وهذه الأوصاف التي ذكرت على لسان مسز توللي و الرحالة الفاسي لا يختلف وصفها للجامع في وقتنا الحاضر حيث لازال محتفظا بطابعه القديم.

الصناعة والتجارة

لقد شهدت فترة حكم الأسرة القرمانللية التي امتدت حوالي 124 سنة (1711/1835ميلادى) خصوصا فترة أحمد باشا، الكثير من الإنشاءات والتجديدات في مدينة طرابلس، إذ يرجع له الفضل في إنشاء السوق الجديد الذي أقامه سنة 1724 ميلادي، كما بني الكثير من البيوت والقصور في القلعة وجدد ما يحتاج إلي التجديد فيها، كما جدد الباب الغربي للقلعة وبني فسقية لسقي أهل السفن علي الساحل، وشجع أحمد باشا الأجانب علي الإقامة في طرابلس وإدخال بعض الصناعات فيها، وشجع حركة التجارة، وأقام داراً لصناعة السفن حتى أنها ازدهرت وتحولت من مرحلة صناعة السفن للحفاظ علي أمن الشواطئ ، إلي صناعة السفن للأغراض التجارية.

كما أسهمت المدرسة القرآنية كثيراً في تثقيف الطلبة ونقل العلوم الدينية عبر الأجيال حتى أصبحت مكتبة جامع أحمد باشا من أهم وأثري المكتبات في تاريخ طرابلس حيث قامت مكتبة الأوقاف التي تم افتتاحها 1898 ميلادي بضم كل وثائق الجامع إليها والتي ضُمت بدورها إلي مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية 1984 ميلادي.

No comments: