Tuesday, 22 September 2009

أحياء طرابلس القديمة.. عبق الأصالة والتاريخ

مدخل كنيسة السيدة مريم في طرابلس

أحياء طرابلس القديمة.. عبق الأصالة والتاريخ

ليبيا 24- كثيرة هي أحياء مدينة طرابلس القديمة والأكثر منها تلك المعالم الحضارية الأثرية التي تتمتع بها والتي تعتبر جزءا أساسياً من مكوناتها الثقافية والإنسانية.

وفي شوارع تلك الأحياء وميادينها الرئيسية الكم الهائل من المعالم التي يعجز اللسان عن وصفها وتأبى أبجديات الفصاحة والبلاغة عن الإتيان بمفردات من شأنها أن تعطيها حقها ومستحقها.

وهذا الكم من العمارة الرائعة والجميلة التي تحتويها هذه الأحياء لذو دلالة واضحة على مدى ازدهار المدينة وتطورها وتقدمها في تلك الفترة الممتدة من القرن السادس عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر.

ومن أقدم وأشهر هذه الأحياء والتي باتت رمزا من رموز المدينة المعمارية الحضارية والسياحية والتاريخية حي باب البحر أو ما يطلق عليه.. حومة باب البحر... كل ما تبقى من أويا الرومانية أثناء اختيارك لدخول هذا الحي من المكان التقريبي لباب البحر ذلك الباب الذي لم يبق منه سوى اسمه على المنطقة الواقعة خلفه حيث تمت إزالته إبان الاحتلال الإيطالي لليبيا لتوسيع المنطقة وإبراز معالم قوس ماركوس أوريليوس.

بمجرد دخولك لمنطقة باب البحر يقابلك مباشرة معلم من أهم معالم مدينة طرابلس القديمة وأعرقها وأكثرها حضارة وقدما إنه قوس ماركوس أوريليوس كل ما تبقى من مدينة أويا الرومانية التي أقيمت طرابلس القديمة على أنقاضها، وتوصيفا لهذا المعلم الأثري الأخاذ يقول الرحالة التيجاني في كتابه عن طرابلس إبان القرن العاشر الميلادي حيث يصف القوس: "بين هذه المدرسة - ويقصد هنا المدرسة المنتصرية- التي أقيم جامع مصطفى قرجي على أنقاضها والتي دمرت في القرن السادس عشر مبنى من المباني القديمة العجيبة وهو شبه قبة من الرخام المنحوت المتناسب الأعالي والنحوت التي لا تستطيع المائة نقل الواحدة منها قامت مربعة فلما وصلت إلى السقف ثمنت على إحكام بديع وإتقان عجيب الصنع وهي مصورة بأنواع التصاوير العجيبة نقشاً في الحجر... وعلى بعض قطعها من الجهة الشمالية أسطر مكتوبة بخط رومي".

وعن المراحل التي مر بها القوس فقد استعمل في فترة من الفترات مخزناً للرخام وكذلك مسجدا ودارا للعرض "سينما" وهو في الوقت الحالي من المعالم الهامة المحظية بمتابعة ورقابة جهاز إدارة المدن التاريخية.

زنقة الفرنسيس وأهم وأشهر معالمها

قبالة القوس الرومانية تجد زنقة الفرنسيس ذات الاتساع النسبي بأقواسها الساحرة وأبواب بيوتها الطرابلسية المميزة.. ومن أهم معالمها السفارة الفرنسية التي اشتق اسم الزقاق منها.

مجرد الوقوف بعتبة باب السفارة ذلك الباب البسيط المتناسق المعمار ذو الطراز الطرابلسي الغير متكلف تشعر بإحساس غريب لا تفسير له والذي سرعان ما يتغير بالتقدم خطوة واحدة داخل المبنى حينما تجد نفسك قد دخلت إلى عهود الماضي الجميل والحافل بالأمجاد والبطولات والانتصارات...

حيث تدلف في مبنى مربع الشكل تقريبا تتجاوز مساحته الكلية 400 متر مربع تقريبا مكون من طابقين يعلوهما السطح ويتوسط المبنى الفناء أو الجنان والذي فتحت عليه أبواب غرف متعددة الوظائف والأغراض حيث كانت معدة لاستقبال ضيوف السفارة ولعقد الاجتماعات السياسية.. وفي الجهة الشمالية من الفناء يتوسط الدرج المؤدي إلى الطابق العلوي جدار تلك الجهة حيث يتفرع إلى فرعين يؤدي كلا منهما إلى نفس الطابق والذي يحتوي على أكثر من (5) غرف وعدد من الصالات كانت في السابق خاصة بالسفير الفرنسي بالإضافة إلى مكتبه الخاص وغرفة نومه ومعيشته.

وأجمل ما في مبنى السفارة الفرنسية تلك الشرفات الخشبية وبلاطات القيشاني والزخارف النباتية التي زينت جدران الفناء والمبنى ككل والتي أعطت المكان بعضاً من الخصوصية والتميز عن باقي بيوت الأهالي الأخرى.

وتاريخياً فقد شيد مبنى السفارة الفرنسية في القرن السابع عشر عام 1630 م في عهد الوالي العثماني قاسم باشا حيث شغلها القنصل الفرنسي "إيثان" وهو أول دبلوماسي فرنسي يتولى هذا المنصب في ولاية طرابلس الغرب ليستمر المبنى في هذه الوظيفة حتى بداية الحرب العالمية الثانية التي اندلعت عام 1939 م حينما قام السفير الفرنسي آنذاك ببيع المبنى لأحد السكان المحليين لتنتقل السفارة الفرنسية خارج أسوار المدينة القديمة وتستقر بإحدى المناطق الحديثة بطرابلس الجديدة.

بعد ذلك استغل المبنى كسكن للبحارة فناله ما ناله من الإهمال والعبث والتدمير ليقوم إثر ذلك مشروع إدارة تنظيم المدينة القديمة سابقاً إدارة المدن التاريخية حالياً بترميمه وصيانته وإظهاره بحلة جديدة مطابقة لعمارته الأصلية ليوظف بعد هذا الترميم ليكون داراً للفنون بمختلف أنواعها وتخصصاتها تحت اسم دار حسن الفقيه حسن.

كنيسة السيدة مريم.. وجمال وروعة المعمار

بمجرد خروجك من زنقة الفرنسيس تفاجئك ساحة النصارى سابقاً، خيري كريمة حاليا، بمعالمها الأثرية الأخاذة والساحرة ومن أهم هذه المعالم والذي يثير فضولك واستحسانك وإعجابك كنيسة السيدة مريم.

وتحديداً للموقع فهي تقع بجانب بنك روما سابقاً وقبالة زنقة الاسبانيول. وتاريخيا فقد أنشئ حجر الأساس لبنائها في عهد داي طرابلس صفر داي عام 1615م وتوسع في عهد محمد الساقزلي عام 1703 حتى قام المسيحيون المقيمون بطرابلس برعاية الأب نيكالو بإعادة بناء الكنيسة عام 1829م واستمرت الكنيسة في أداء وظيفتها حتى عام 1970م حين توقف نشاطها عقب إجلاء رعايا الطليان عن ليبيا ليتم في عام 1990م صيانتها وترميمها من قبل المشروع المذكور آنفاً وليوظف لأكثر من عشر سنوات كفضاء ثقافي باسم دار محمد علي لاغا للفن التشكيلي لِتٌسَلمْ بعد ذلك من قبل إدارة المدن التاريخية لطائفة المسيحيين الأقباط الموجودين في طرابلس وبالتالي قيامها بوظيفتها التاريخية الرئيسية.

عند وقوفك بساحة الكنيسة ستجد عمارة ضخمة تفوق الروعة روعة تتوسطها ثلاثة أبواب متقاربة الأوسط أكبرها حجماً وهو المدخل الرئيسي للكنيسة وهو مزدان بثلاثة أعمدة على يمينه ويساره يعلوها قوس كبير مزخرف بزخارف متعددة زادته حسناً وبهاءً أما البابان الآخران فهما أصغر حجماً من الباب الرئيسي ولهما نفس العمارة والزخرفة.

وأول ما ترنو إليه عين الناظر إلى الكنيسة أجراسها التي استقرت في أعلى برج الكنيسة وتلك الساعة النحاسية المتدرجة في القدم التي تتوسط ذلك البرج ما جعل من الكنيسة معلماً منفرداً ومتميزاً عن غيره من المعالم الأثرية الأخرى.

أما من الداخل فالكنيسة عبارة عن مستطيل كبير الحجم تتخلله خمسة أعمدة ضخمة ذات ارتفاع ملحوظ متوجة بتيجان جميلة يعلوها السقف ذو القباب المقوسة والنوافذ بزجاجها الملون.

ويتوسط المستطيل المحراب بعمارته الضخمة النادرة إلى جانب أربعة محاريب أخرى موزعة داخل الكنيسة لا تقل جمالاً وروعة عن المحراب الرئيسي.

ويحتوي مبنى الكنيسة على غرفة تسمى بغرفة الفسيفساء اشتق اسمها من تلك الفسيفساء الجميلة المشكلة على إحدى جدران الغرفة مجسدة صورة لشخصين تتوسطهما كتابات بالأحرف اللاتينية من الراجح وعلى حسب المتوارث أنها أسماء من قاموا ببناء الكنيسة وهي من الروائع الفنية..! ما يجعلنا ندعوك لزيارتها شخصياً والتمتع بجمالها ورقي فنها.

حاضرة المدارس الإسلامية الطرابلسية

بزنقة درغوت باشا المطلة على ذات الساحة تقع مدرسة عثمان باشا التي شيدها والي طرابلس الغرب عثمان باشا الساقزلي سنة 1654م والتي صارت مقصداً لطلاب العلم ومركزاً لتعليم وحفظ وتجويد القرآن الكريم وتضم هذه المدرسة إلى جانب فصولها المدرسية ودورة المياه والميضأة مسجداً وروضتين.

أثناء دخولك من الباب الذي تعلوه كتابة ذكر فيها بالخط الأندلسي العتيق "حصة عثمان باشا يسر الله له من الخيرات ما يشاء أسس بنيان هذه المدرسة وجعلها لطلب العلم وتلاوة القرآن إلهي تجاوز عن سيئاته يا رحمن..تحريرا في غرة ذي القعدة في سنة أربع وستين وألف" يقابلك صحن المدرسة وهو عبارة عن بناء مربع الشكل تتوسطه شجرة الحناء وتفتح عليه أبواب ثلاث عشرة غرفة تعلوها الأقواس التي تحملها إحدى عشرة عرصة رخامية أعطت منظرا جميلاً ذا طابع طرابلسي مميز لفناء المدرسة بالإضافة إلى دورة مياه وميضأة وبئر ماء خاص خصصت لهم زاوية من المدرسة بعيداً عن الفصول وغرف المبيت.

وفي الجهة الشرقية من المدرسة يوجد مسجدها المتمثل في بيت الصلاة يتوسطه المحراب الذي يوجد على يمينه ويساره عرصتان رخاميتان ذواتا تيجان متوسطة الحجم يحملان على عاتقيهما حمل القوس الذي يعلو المحراب أما السقف فهو على غير العادة قبة كبيرة الحجم ازدانت بشتى أنواع الزخارف والرسومات.

المربع والذي لا تتجاوز مساحته 40 متراً مربعاً تقريباً يتوسطه المحراب الذي يوجد على يمينه ويساره عرصتان رخاميتان ذواتا تيجان متوسطة الحجم يحملان على عاتقيهما حمل القوس الذي يعلو المحراب أما السقف فهو على غير العادة قبة كبيرة الحجم ازدانت بشتى أنواع الزخارف والرسومات.

وليس ببعيد عن المسجد تجد ممراً صغيراً يؤدي بك إلى مقبرتين ملحقتين بالمدرسة الأولى ذات بناء معماري مميز لا يختلف كثيرا عن عمارة المسجد دفن بها الوالي عثمان باشا الساقزلي والثانية على مساحة أرض لا تتجاوز 10م2 تقريباً.
وفي الآونة الأخيرة قامت إدارة المدرسة بعمل الصيانة اللازمة للمدرسة ولأهم معالمها المسجد والروضتين الملحقتين بها لتظهر بذلك مدرسة عثمان باشا بحلة جديدة ساهم فيها وكان السبب الرئيسي لقيامها أصحاب الخير وأهل البر والإحسان.

هذا قليل من كثير مما في هذه المنطقة ونحن إذ لم نطل في السرد فهذا لسببين لا ثالث لهما.. أولهما لإثارة فضولك وغريزة الاستكشاف فيك وثانيهما أن ينتج عن هذا الفضول زيارة المدينة واكتشافها على أرض الواقع والاستمتاع بمعالمها الأثرية سالفة الذكر والتي لم نذكرها أيضا.. والتعرف على تاريخها العريق الذي قد يخفى على الكثيرين من الذين لا يعرفون عن طرابلس إلا اسمها.

No comments: