08/07/2009 12:32:06 PM (GMT)
حضارة الماضي تلقي بشعاعها على تمدن الحاضر |
هون.. مدينة محفورة في الذاكرة
ليبيا 24- مدينة هون احدى المدن الصغيرة بالجماهيرية تقع فى وسط شعبية الجفرة وهى واحة جميلة تبعد عن الشاطىء 300 كم كانت محطة للقوافل واستراحة لطريق التجارة من الجنوب الى الشمال. اليوم.. أصبحت احدى المواقع الرائعة حيث تمتزج الحضارة والتراث مع التمدين والتحديث.
هون مدينة في ليبيا تم ذكرها في كتاب المؤرخ جاك تيري "تاريخ الصحراء الليبية في العصور الوسطى" وأورد البكـري في كتابة "المسالك والممالك" الذي ألفة في القرن الحادي عشر الميلادي (هول ) ( هُـل) مدينة سكانها كثيرون ولها مساحات شاسعة من النخيل وعيون ماء عديدة ، ويحدد البكري موقع هذه الواحة على مسافة يوم من ودان غربا وهو تقدير صحيح (25 كم ) وعلى مسافة خمسة أيام من سبها شمالا وهو ما يتطلب سرعة كبيرة في التفكير في عبور جبل السوداء.
جاء في كتاب معجم البلدان الليبية للراوية الشيخ الطاهر الزاوي ( هون واحة كبيرة وعند اهلها شئ من رفاهة العيش ، لهم مهارة في دبغ الجلود وتطريزها بالحرير بها زراعة محلية تسقى بالقواديس ، وتظهر في تسميتها "أن هذا الاسم جاءنا من بنى الهون قبيلة عربية تنتمي الى الهون بن خزيمة بن مدركة" بن الياس بن مضر .جاءت مع الفتح الإسلامي . كما جاء في الرواية الشفهية المتواترة والتي وردت على لسان الشيخ العالم الصوفي أحمد الزروق مخاطبا التلمساني الذي جاءه طالبا النصح والمشورة قائلا له " أذهب لمسكان واتخذ منها مسكنا.
مرت هون في تاريخها الذي وصلنا بمواضع ثلاثة. فمن ازكان او مسكان التي تقع شمال هون الحالية . والتي أشار إليها البكري باسم "هُــل " ... الى هون الحويلة التي تقع جنوب غرب مسكان والتي أسسها خلف الله محمد المناري السـُـلمّي ومن معه عام 892 هجرية . والتي اكتسبت اسم " الحويلة " ربما بعد الانتقال منها الى هون القديمة حيث مر حول او عام على الانتقال . وهون الحويلة – يصفها الرحالة – الإنجليزي جون ليون الذي زارها عام 1818 ف – قائلا " لها ثلاثة أبواب وبها مبنى مشيد يرجح انه كان قلعة كبيرة اما الحدائق والبساتين فهي تحيط بالقرية من كافة نواحيها بشكل دائري وباتساق منتظم) ويختتم قوله انهم اناس طيبون وعلى أخلاق كريمة.
وبزحف الرمال على هون الحويلة كاتب اهلها الوالي التركي في 10 – ابريل – 1852 ف في كتابة ((من طرابلس الي فزان )) قائلين "صار الرمل يزحف شيئا فشيئا حتى عدم جميع البساتين والتصق بسور البلدة وصار يهجم مدة اثني عشرة سنه ونحن منه في تعب عظيم . مر أدنا في التخلي عنها والتثبت بإنشاء بلدة جديدة . وكان إنشاء البلدة الجديدة ( هون القديمة ) في منتصف القرن التاسع عشر حيث بنيت على نفس توزيع هون الحويلة أحيطت بسور حصين به أربع أبواب رئيسية تسمى:
باب الحاج أمحمد ويقع بالجهة الجنوبية
باب الحاج حمد ويقع بالجهة الشمالية
باب الأيطيرش ويقع بالجهة الشرقية
باب الغنم ويقع بالجهة الشمالية الشرقية
وبالسور مدخلان صغيران يسميان خوخة آل الحلو بالجهة الغربية وخوخة عكاشة بالجهة الشرقية. وقسمت أحياؤها إلى أربع محلات عرف كل منها باسم الربع وتوزعت بهذه الأرباع المساجد والزوايا التي كانت منارات للعلم والمعرفة. فكان الجامع العتيق في وسط المدينة من الناحية الشمالية. والجامع الصغير ويسمى أيضا ( جامع بن عمران) بالربع الشمالي الغربي ومسجد عبد الجليل بالربع الجنوبي الشرقي وجامع غميض بالربع الشمالي الشرقي - والزاوية القادرية وكان يطلق عليها ( المدرسة القادرية ) بالربع الجنوبي الشرقي . والزاوية الأسمرية بالربع الجنوبي الغربي والزاوية العيساوية (زاوية بن عيسى) بالربع الشمالي الغربي والزاوية السنوسية بالربع الشمالي الغربي.
هذا وقد احتضنت هون العديد من العلماء والفقهاء البارزين الذين كان لهم أليد الطولي في ترسيخ القيم الدينية والأسس الثقافية أمثال العالم الجليل الشيخ محمد محمود الشنقيطي والشيخ محمد الأمين السوقي والفقيه العلامة عبد الرحمن الخازمي والشيخ عمران بن بركة وشهير زمانه الشيخ الكانمي والمجاهد الشيخ أحمد الشريف.
كما أنجبت مدينة هون العديد من العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء والفنانين الذي برزوا وأبدعوا محليا وعربيا فمنهم على سبيل المثال لا الحصر – الشيخ الفقيه محمد محمد حيدره والذي أقام سبعة عشر سنة بالأزهر يطلب العلم ويتبحر فيه ذكره الحشائشي في كتابة ( جلاء الكرب عن طرابلس الغرب ) بأنه الأديب الفقيه الذي يحفظ آلافاً من أبيات الشعر المنظوم الرقيق. والشيخ الفقية على بن مازن خريج جامع الزيتونة والمجاز من الشيخ عمران بن بركة الفيتوري. كذلك الشيخ بشير بزاق – والذي تولى إمامة جامع الناقة بطرابلس حيث تتلمذ على يديه العديد من الشيوخ والفقهاء والمقرئين والرواة المعروفين والشيخ مصطفى الحاج أحمد الذي تتلمذ على يد الشيخ محمد كامل بن مصطفى العالم الشهير وأخر القراء المهرة وكذلك الشيخ الفقيه أمحمد الخير تلميذ الشيخ العالم الشهير محمد محمود الشنقيطي – وغيرهم الكثير.
وقد كانت مدينة هون مركز العلم والتعليم الديني حيث تم ارسال العديد من العلماء والشيوخ للتدريس وتعليم القران الكريم في النجوع والقرى المختلفة.
كما اشتهرت المدينة بالحرف والصناعات التقليدية المتقنة التي كانت لسد الاحتياج اليومي في كافة نواحي الحياة.
ولعل أهم ما يفتخر به أهالي مدينة هون مشاركتهم الفاعلة والمشرفة والمهمة في تاريخ الجهاد الوطني ضد الغزو الإيطالي. حيث شارك أهلها في أكثر من أربعين معركة وموقعة على طول البلاد وعرضها وأهم المشاركات الفاعلة كانت في معارك الشط وألهاني وتاقرفت والحشادية وكانت معركة عافية الشهيرة في 31 اكتوبر 1928 وما تلاها في الخامس عشر من نوفمبر من نفس العام حيث تم إعدام تسعة عشرة مجاهدا من خيرة رجال البلدة لاتهامهم بالمشاركة في المعركة ودعم المجاهدين ثم تهجير وإجلاء جميع اهالي مدينة هون في 15 / يناير 1929 الى المدن الساحلية للبقاء هناك ما يقرب من العامين.
مع بداية السبعينات بدأ أهالي مدينة هون بالخروج من المدينة القديمة وفي منتصف الثمانينات انتقل جل أهلها إلى الموضع الرابع والأخير للمدينة الحالية التي أولتها ثورة الفاتح من سبتمبر اهتمامها بجعلها احد المراكز الإدارية المهمة بالجماهيرية العظمى حيث شيدت الكثير من المباني والمساكن الحديثة وفق احدث الأنماط الهندسية المعاصرة.
ويربط هون بباقي المدن الليبية شبكة من الطرق المعبدة حيث تبعد حوالي (800) كيلومتر عن بنغازي و(600) كيلومتر عن طرابلس العاصمة و(245)كيلو متر عن سرت و(350)كيلو متر عن سبها وترتبط هون بمدينتي طرابلس وبنغازي بخط طيران منتظم كما ترتبط بباقي مدن الجماهيرية بخطوط منتظمة للحافلات السريعة.
وتتمتع مدينة هون كغيرها من المدن الليبية بكافة الخدمات الأساسية مثل شبكات المياه والكهرباء والهاتف والمؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها إضافة إلى الخدمات الصحية الراقية والمصارف والأسواق والصناعات الخفيفة، وتشهد المدينة حالياً نهضة عمرانية متكاملة تجعلها تحتل مكانا مميزا بين المدن الليبية الرئيسية
No comments:
Post a Comment