طارق السنوسي الثلاثاء, 07 يوليو - ناصر 2009 21:54
يقصد بكلمة فندق أو خان في مراحل تاريخية سابقة "الوكالات التجارية" التي كانت أشبه بمحطات لتخزين وتسويق البضائع والسلع القادمة عبر قوافل الصحراء، عن طريق سفن البحر، إلى جانب استقبال وايواء المسافرين والتجار، وتشهد الوكالات النشاط الكبير، ويدب النشاط داخلها أثناء وصول القوافل الصحراوية، أو رسو السفن التجارية، حيث يبدأ نزلاء الفندق من التجار بعرض، وتبادل سلعهم وعقد صفقاتهم. للوهلة الأولى قد تبدو فنادق المدينة انجازات عارية من الأهمية من الناحية الجمالية والمعمارية،
غير أن أفنية الفنادق الطرابلسية تكتسي بنوع من البهجة الأخادة، إذ أن أروقتها الموزعة على طابقين الواحد فوق الآخر تعيد إلى الاذهان رقة، وبهاء أبنية القرن الخامس عشر "بتوسكانا" وأنه ليس بالشيء القليل، حيث يبرز أمام المتجول بين تلك الإنشاءات المعمارية تصميمات التكوين المعماري، المشتمل على طابقين ذات أروقة معمدة تتوسطها ساحة كبيرة تحيط بها الغرف متعددة الاستعمالات، فنجد أن غرف الطابق الأرضي استعملت كمخازن للسلع، وعرض للبضائع، وأما غرف الطابق الثاني فوظفت كمبيت للنزلاء، واستغلت الافنية لإيواء الحيوانات المرافقة للنزيل، كما زودت الفنادق بأبار للمياه وخزانات مفتوحة "جابية". وعبر مراحل تاريخية متعاقبة تطور عدد الفنادق في مدينة طرابلس القديمة، لاسيما خلال العهد العثماني والقره مانللي، إلى أن وصل عددها إلى مايقارب 50 فندقاً لم يتبق منها سوى 16 فندقاً من أهمها فندق الزهر المشيد في عهد الوالي عثمان باشا الساقزلي (1649-1672م)، وينتصب اليوم في نهاية سوق المشير على يمين المغادر لباب عبدالله المقابل لساحة برج الساعة، وقد اشتهر بهذا الاسم في كونه مقر تجارة وتصدير أزهار البرتقال المعدة للتقطير، ومن الناحية المعمارية فإن الفندق يشتمل على طابقين يتوسطهما فناء مستطيل تفتح عليه كل الغرف وتحيط به أروقة بأعمدة حجرية، وعقود مستديرة، وقد سقف الرواق الارضي بقبوات مستطيلة اما الطابق العلوي فقد سقف بألواح من الخشب، أما فندق ميزران الذي سمي نسبة إلى مشيده "الحاج رمضان ميزران" سنة 1881م فيظل إلى يومنا من أبرز المعالم السياحية بالمدينة، حيث يعد المبنى من أجمل فنادق المدينة، ويضم عدد من محلات بيع الصناعات التقليدية والهدايا التذكارية، وورش الصناعات الفضية في الطابق الثاني،
وتفتح بوابة الفندق المطلة على باب سوق اللفة على فناء جميل يتوسطه حوض مائي وتحيط به أروقة معمدة تتوزع على جنباتها معامل ومحلات بيع الصناعات التقليدية، وعلى الجهة المقابلة على امتداد سوق الصاغة تبرز بوابة فندق القرقني الذي شيده شيخ البلد على القرقني سنة 1273 هجري، كما يعرف باسم فندق بن زكري، الذي يضم اليوم ورش لصياغة الذهب والفضة، وفي أحد أركان وسعاية الفنيدقة يبرز فندق الغدامسي نسبة إلى نزلائه من تجار مدينة غدامس، ويضم الفندق اليوم ورش للصناعات الحريرية، وأثناء جولتنا داخل أحد الأزقة المتفرعة من سوق الترك توقفنا أمام فندق حادي الحسان، وأخبرنا صاحب أحد الورش داخل المبنى، إلى أن تاريخ الفندق يعود إلى فترة حكم يوسف باشا القره مانللي، حيث تعود ملكيته إلى (حادي الحسان)، وهو حلاق يوسف باشا، ويختلف الفندق عن باقي فنادق المدينة، في كونه يتكون من طابق واحد يضم فناء متسع المساحة، ويتوسطه حوض ترابي تنمو به النباتات، واستمرت جولتنا بين ثنايا فنادق المدينة إلى أن وصلنا إلى ساحة معمل الرخام، حيث ينتصب فندق بنت السيد، الذي تم توظيفه كمقهى أطلق عليه اسم "أورولويس" نسبة إلى القوس الروماني الشهير الذي يتوسط الساحة، وكان الفندق من أملاك شيخ البلد محمد السيد، ثم عادت ملكيته لابنته خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، كما عرف أيضا باسم فندق جنوة لأنه استعمل في مرحلة من تاريخه كمقر لقنصلية جنوة، ويتكون الفندق من طابقين تتوزع على جنباته عدد من الغرف تطل على فناء مفتوح مبلط برخام صقلي أسود وتحيط بالفناء أروقة محمولة على عقود وأعمدة تحمل تيجان بيزنطية جلبت من كنيسة قديمة، وأعيد استعمالها في بناء الفندق، وعلى الجهة المقابلة من الساحة، يطل فندق زميت التاريخي المشيد في سنة 1883م، وكان يملكه أحد تجار القوافل يدعى أحمد الضفائري، ثم اشتراه منه كاتبه الخاص ويدعى حسن زميت، وخلال سنة 2006 تمت صيانة الفندق وإعادة توظيفه من جديد ليصبح فندق يستقبل نزلاءه، ويحوي الفندق اليوم 10 غرف وأربعة أجنحة موزعة على طابقين، زودت بقطع أثاث المصنع يدوياً على الطراز الطرابلسي القديم، ومن أبرز فنادق المدينة توقفنا أمام فندق الجيلاني الذي كان جزءاً من أكبر فنادق المدينة، والمعروف بفندق الباشا المشيد سنة 1654م، واستعمل الفندق لإيواء المسافرين والتجار إلى فترة الاحتلال الايطالي، حيث تم تهديمه لإقامة المسرح المعروف باسم "البولتيما"، أو مايعرف بدار عرض النصر، وماتبقى من المبنى القديم استعمل كفندق عرف باسم فندق الجيلاني، وظف اليوم كمقهى شعبي، وتبقى كل تلك المعالم التاريخية شاهداً تاريخياً على عظمة مدينة طرابلس القديمة، ومامدى ازدهارها عمرانياً وثقافياً، وعلى الدور الذي لعبته المدينة في إحياء تجارة القوافل التجارية العابرة للصحراء، ومنها إلى دول العالم، كشريان اقتصادي أسهم في إحياء عدد من المدن على امتداد خطوط تجارة القوافل الصحراوية، من دواخل القارة إلى سواحل المتوسط .
No comments:
Post a Comment